اعتبر عزمي بشارة في مقال له نشره موقع العربي الصغير، أن الدعوات العلنية لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل تنبع من قراءة انفعالية استغلالية للهجوم الإسرائيلي الأمريكي اللامحدود في المنطقة. يوضح بشارة أن مبررات التطبيع تكشف إما جهلًا فادحًا أو محاولة تلاعب، وتتضمن وهم أن التطبيع مع إسرائيل هو علاج سحري لحل جميع المشكلات الداخلية والخارجية.
وألمح إلى أن العلاقات الدولية لا تحكمها معجزات، ولا توجد وصفة سحرية للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعتمد على سياسات اقتصادية واجتماعية سليمة، وأنظمة حكم، وتركيبة المجتمعات وثقافة النخب. يوضح أن الاندفاع نحو التطبيع يعزز قناعة إسرائيلية أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، ما يدفع إسرائيل للمضي قدمًا في سياساتها القائمة على فرض الأوامر والتعامل مع العرب بقوة.
ورأى أن حجج التطبيع غير صالحة من الناحية البراجماتية حتى لو تجاهلنا الأخلاق، لكن تجاهل القيم الأخلاقية هو خيانة للمجتمعات ذاتها. ويشير إلى أن ثبات القيم العامة والاخلاقية ضروري في فترات التغير السريع والتطور والاضطرابات الاجتماعية للحفاظ على الثقة المتبادلة بين الأفراد.
واعتبر أن التكرار المستمر للدعوات للتطبيع هو محاولة لتعويد الرأي العام العربي على فكرة التطبيع بينما فلسطين تعيش على أعتاب مذبحة غزة. يوضح أن فلسطين باتت رمزًا للعدالة ولصوت الشباب الغربي الرافض لمشاركة بلدانهم في جرائم الاحتلال، كما ظهر في مهرجان جلاستونبري الموسيقي حيث رفع الحضور الأعلام الفلسطينية وهتفوا "حرروا فلسطين".
وشرح أن التكرار المفرط لخطاب التطبيع في ظل جرائم إسرائيل المباشرة يقلل من حساسية الناس ويضعف من غرائزهم الأخلاقية ويهدد القيم التي يحملونها، كما أن لهذا الأثر السلبي تبعات واسعة على القضايا الأخرى، مثل القمع الداخلي في بلدانهم.
ورأى بشارة أن هذا التآكل الأخلاقي يأتي بعد انتصارات إسرائيل على ما تسمى "محور المقاومة"، وهي انتصارات يفتخر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كأنه هزم حزب الله وأطاح بالنظام السوري السابق، في رسالة للعرب بأن إسرائيل هي التي تحمي وتقود المنطقة وليس الولايات المتحدة أو تحالفاتها.
وذكّر أن القضية الفلسطينية ليست مرتبطة بالأنظمة التي استغلتها سياسيًا، وأن هذه الأنظمة بنت شرعيتها على الموقف من الصراع مع إسرائيل، لكن حق الفلسطينيين في قضيتهم أقدم من استغلال الأنظمة. ويستنكر بشارة أولئك الذين يعتبرون سقوط أنظمة مثل نظام الأسد فرصة للتخلي عن القضية الفلسطينية، معتبراً ذلك دليلاً على عدم إيمانهم الحقيقي بالعدالة.
وأوضح أن النظام السوري، رغم قسوته، كان معارضًا لإسرائيل، وأن اتهامه بالتخلي عن الجولان كان في الغالب أداة لتشويه النظام. يؤكد أن الحكم الظالم لا يبرر التعاون مع إسرائيل، لكن بعض من يروّجون للتطبيع يبدون اهتمامًا ضعيفًا بحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن ترامب نفسه كان يعلن عدم اهتمامه بحقوق الإنسان طالما أن الأنظمة تؤدي ما يطلب منها.
هاجمت إسرائيل إيران بعد أن ألقت ضربات موجعة على حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزة، وكان توقيت الهجوم مسيطرًا عليه من الإدارة الأمريكية. ووصف بشارة الهجوم بأنه كشف هشاشة الأمن الداخلي الإيراني واختراقات إسرائيلية عميقة، رغم التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، لكن النظام الإيراني لم يسقط.
ولفت بشارة إلى أن إسرائيل ليست القوة العظمى التي يصورها دعاة التطبيع، ولا الكيان الضعيف الذي يصوره خصومها، فالواقع معقد.
يواجه النظام الإيراني اليوم خيارات صعبة بين إعادة الإعمار برفع العقوبات، الاستمرار في البرنامج النووي، وتوطيد علاقاته مع الصين وروسيا كبدائل، تشديد القمع داخليًا أو التفاعل مع شعب يرزح تحت الضغط.
تواجه حركات المقاومة أيضًا تحديات قاسية بعد 7 أكتوبر، خصوصًا في فهم إسرائيل ومجتمعها والعالم العربي، ولا خيار أمامها سوى التعامل معها، رغم تعقيد التفاصيل.
انتقد بشارة من ينادون بالتطبيع باعتبار أن القضية الفلسطينية حكر على إيران ومحور المقاومة، وهي وجهة نظر يروج لها كل من إيران وإسرائيل ومراكز أبحاث مؤيدة لإسرائيل في واشنطن. ويقول هؤلاء إن حرب غزة سرعت مشروع اتفاقيات أبراهام، مستغلين القوة والإرهاب الإسرائيلي والمجازر في غزة، بموافقة أنظمة عربية تدعم إسرائيل.
لكن هذا ليس موقف الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال، ولا الأردني أو اللبناني الذي يخشى ما هو قادم، ولا السوري الذي لا يزال جزء من أرضه تحت الاحتلال الإسرائيلي. كما أن المواطن العربي في المشرق والمغرب يرفض أن تُهمل قضيته وأن تُقسم المنطقة لصالح قوى غير عربية، وأن تُذعن بلاده لنظام يرى المنطقة كلها تهديدًا ولا يثق إلا بوكلائه ويؤمن فقط بالقوة.
يعرف الفلسطيني في الضفة الغربية أن الاستيطان يتصاعد بسرعة وأن الضم لا مفر منه بدعم أمريكي وتواطؤ عربي، وأن التطبيع يعزز إسرائيل على الاستمرار في الجرائم.
رأى بشارة أن رفض التطبيع ليس فقط تعبيرًا عن العروبة أو العطاء، بل موقف وطني يحمي وحدة الأرض والسيادة، خاصة في سوريا، حيث لا يمكن لأي مستقبل استقرار واقتصاد دون سيادة وطنية، وعدالة في المواطنة بين العرب والأكراد.
واعتبر أن بناء الدولة الحديثة يتطلب تجاوز الولاءات الطائفية والقبلية التي تهدد الدول في العراق وسوريا ولبنان، ويؤكد أن بناء المؤسسات الوطنية وتعزيز المواطنة واحترام القانون هو الطريق للسلام والاستقرار.
وأشار إلى أن إسرائيل رغم الحروب المستمرة، تحتفظ بمؤسسات قوية وديمقراطية حقيقية لليهود، ويعزو نجاحها إلى توافق وطني قوي على الأمن، وليس فقط للدعم الأمريكي والغربي.
وقارن ذلك بمصر التي وقعت السلام منذ زمن لكنها لا تزال تتخلف عن إسرائيل اقتصادياً وتكنولوجياً، رغم عدم خوضها حروبًا منذ 1973، وتبقى في تراجع مستمر.
وأكد أن المقال ليس دعوة للحرب التي هي كارثة على الجميع، بل تساؤل حول ادعاء التطبيع كعلاج شامل. يرى أن على الدول العربية رفض الهيمنة الإسرائيلية ومنع إبادة الفلسطينيين، وهناك وسائل كثيرة لتحقيق ذلك.
وخلص إلى أن الحرب ضد الفلسطينيين والشعوب في المنطقة مستمرة منذ 1948، والتطبيع مع إسرائيل هو الانحياز لطرف في حرب لا سلام فيها حتى الآن، وهو تنازل عن القيم والأخلاق والحقوق الوطنية.
وشدد بشارة على أن بناء الأمة الحديثة يتطلب حماية السيادة على الأراضي المحتلة، الإيمان بالقضايا العادلة، والتمييز بين الدولة والشعب من جهة، والسلطة السياسية المتغيرة من جهة أخرى. ويقول إن المؤسسات الوطنية يجب أن تبقى مستقرة رغم تغير الحكومات، لأن الدولة لا تبنى إلا على أساس هذه الفوارق.
https://www.newarab.com/opinion/arab-states-israel-normalisation-poison-not-elixir